كتب العميد ركن نبيل عبدالله ” في حضرة السيف والقلم “
تستقبل بلادنا بعد أيام معدودات في ١٤ أغسطس الجاري، ذكرى وطنية كبيرة.. وأبية، تتمثل في أعياد القوات المسلحة السودانية. فعندما بدأ المستعمر الانجليزي أولى خطوات سودنة المؤسسات الوطنية، وذلك بتقليد المغفور له سيادة الفريق أحمد محمد الجعلي منصب القائد العام للقوات المسلحة من الجنرال سكونز الانجليزي صباح يوم ١٤ اغسطس ١٩٥٤م، فكان ذلك يوم الإستقلال الحقيقي عندما تسلم ابناء الأمة مسؤلية قيادة جيشها الوطني.
الحدث دلالاته عميقة ومعبرة، ويأتي كل عام لنتذكر جميعا كسودانيين أن القوات المسلحة السودانية هي أول من رسم طريق الأستقلال عمليا لهذا البلد، في مخاض وطني عسير دفعت ثمنه كاملا من عرق ودماء أبناءها من لدن الرعيل الاول من الضباط الوطنيين، الملازم أول على عبداللطيف و صحبه عندما أوقدوا جذوة نار المطالبة برحيل المستعمر وتحرير التراب الوطني من خلال تكوين جمعية اللواء الأبيض في بواكير عام ١٩٢٢م، ثم حركة طلبة الكلية الحربية صباح التاسع من أغسطس عام ١٩٢٢م عندما رفضوا الانصياع لتعليمات معلميهم الانجليز واصطفوا في طابور بيادة أنيق جاب شوارع الخرطوم منتهيا بأداء التحية (سلام سلاح) للبطل علي عبداللطيف أمام معتقله في سجن بحري، وقبلها امام منزله بالخرطوم.
ثم مشاركة عناصر من قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء في معارك طاحنة في كرن و القلابات وغيرها متحملين أهوال الحرب في جبهات الحلفاء المفتوحة لقاء وعد سامي من بريطانيا العظمى وقتها بمنح السودان استقلاله في حالة كسب الحرب… نعم الاشخاص ليسوا هم الاشخاص الآن والزمن تبدل ومضى
، لكن مازالت نفس القيم والروح والعقيدة الراسخة كما هي لم تتبدل ولن تتزحزح.
تأتي الذكرى الأبية هذه المرة وبلادنا وقواتنا المسلحة تواجه أصعب تحدياتها الوجودية على الإطلاق على مدى تاريخها الطويل، و حالها كمن يعالج رياح عاتية وعواصف هوجاء من المحن والفتن، فأصبحت كاليتيم على مائدة اللئام، صراخ هستيري من بعض من ظن ( وبعض الظن إثم) أن الطريق لن يكون ممهدا إلا بتفكيك هذه المؤسسة الوطنية الراسخة ليبنوا على أنقاضها حلما زائفا وسرابا كذوبا في الوصول، وما دروا في سكرتهم هذه أنهم سيصبحون كمن ينقض غزله بيده، أو كمن يرتضى أن يهد المعبد على رأسه في سورة من الحماقة الرعناء، فلم نسمع على مدى التاريخ أن بعض من أمة( هداهم الله)، قد تناوشت سهامهم مؤسستهم الوطنية الأولى كما نشهده في هذه المرحلة الغريبة من تاريخ وطننا الغالي.
لكل أمة مكاسب وطنية ومفاخر ينبغي أن تعض عليها بالنواجذ، وتبذل في المحافظة عليها الغالي والنفيس ، ومنها قواتنا المسلحة السودانية هذه، والتي ستتخطى هذه المرحلة الصعبة على وجه اليقين وتعبر بالبلاد إلى بر الأمان لتأخذ مسارها الإستراتيجي، و ليبقى ما نعيشه من كوابيس في هذه الايام المزعجة مجرد ذكرى أليمة، وأيام خوالي.
إن لم تستطع أن تبني ياهداك الله فالتكف أذاك عنها، ودعونا ندعم هذا البناء الشامخ، ونواصل مسيرة تطويره لنشكل منه درعا قويا وسياجا منيعا يحرس الارض والعرض والمال، ويردع كل معتدي .. ويحافظ على ما تبقى من وطن أرهقه بعض بنيه.. للحديث بقية.