إبراهيم يعقوب…✍️ في ريف شمال كردفان، وتحديداً في مناطق شق النوم وحلة حامد، تترسخ ملامح المأساة اليومية في وجوه الأطفال والنساء والشيوخ

إبراهيم يعقوب…✍️
في ريف شمال كردفان، وتحديداً في مناطق شق النوم وحلة حامد، تترسخ ملامح المأساة اليومية في وجوه الأطفال والنساء والشيوخ. هناك، ليس الحديث عن الغلاء أو قلة الخدمات فقط، بل عن النجاة من الموت، عن الفرار من الرصاص والنار والدخان، عن بيوتٍ كانت ملاذاً دافئاً فأصبحت رماداً تذروه الرياح.
تلك المناطق البسيطة، التي لم تعرف يوماً الرفاهية، والتي كانت تعيش على الزرع والماء القليل، صارت اليوم ساحة للحزن الدائم. حرقٌ للمنازل، وتهجيرٌ قسري، وجرائم ترتكب في وضح النهار، لا لذنب سوى أن هؤلاء القوم تمسكوا بأرضهم وكرامتهم. فقدوا الزاد، فقدوا الأمان، وفقدوا حتى القدرة على الحلم.
من “شق النوم” إلى “حلة حامد”، تنتشر فصول من معاناة قلّما تجد لها وصفاً. أصوات الرصاص غطّت على صوت العصافير، وسحب الدخان حجبت شمس الحياة. منازل أُحرقت، أغنام نُهبت، ومزارع أُفسدت بدمٍ بارد، حتى صارت الأرض تبكي من هول ما رأت.
ورغم كل هذا، لا يزال إنسان شمال كردفان هناك صامداً لا يلين. يسقي الرماد بدموعه، علّه يُزهر من جديد. يبني من الألم درباً للنجاة، ويحمل أطفاله على الأكتاف باحثاً عن شجرة ظل أو مأوى مؤقت، لعلّ في الغد فرجاً، أو في البعيد أماناً.
ما يحدث هناك ليس خبراً عابراً، ولا حادثة منسية، بل جريمة في حق الإنسانية، تستوجب أن تُروى وتُنشر، لا لتُبكي القلوب فقط، بل لتحرك الضمائر وتوقظ العالم من صمته. هؤلاء لا يريدون شيئاً مستحيلاً، فقط يريدون أن يعيشوا… أن يزرعوا ويأكلوا، أن يناموا دون فزع، أن يُصلّوا في أمن، ويُربّوا أبناءهم دون أن تحاصرهم النيران.
في شمال كردفان، يكتب الإنسان الآن فصلاً من فصول الكرامة الجريحة، ولا يزال صوته ضعيفاً في وجه الموت، لكنه صوت حق لن يسكت. سيبقى يُنادينا… حتى نسمعه.



