اعمدة ومقالات

عزيزة بابور تكتب..الدلنج وكادقلي لن تكونا فاشرًا أخرى من الفاشر إلى بابنوسة وهجليج… هل تتكرر سيناريوهات السقوط؟

✍️ بقلم: عزيزة بابور

لم تسقط الفاشر فجأة، بل سقطت بعد حصار طويل أنهك المدينة، واستنزف قدرتها على الصمود، وتركها مكشوفة أمام آلة الحرب وسكوت العالم علي إنتهاكات الجنجويد . وبعدها ، شهدت كردفان سقوط بابنوسة وهجليج، في لحظات فارقة كشفت هشاشة الترتيبات الدفاعية، وضعف الأستعداد والبطيء في التقدم ، وغياب الرؤية الثاقبة. واليوم، تتجه الأنظار بقلق نحو الدلنج وكادقلي، حيث تتوالى الضربات بالطائرات المسيّرة، فيما المدينتان تعيشان واقع الحصار والضغط المتصاعد.

رغم الصمود والثبات، كجبالهما الراسخة، إلا أن عدم تصدّي الدفاعات الأرضية لهذه الهجمات يسلّط الضوء بوضوح على ضعف الجاهزية العسكرية، سواء من حيث الرصد المبكر أو وسائل الاعتراض. هذا القصور لا يهدد فقط الأمن العسكري، بل يفتح الباب أمام تكرار الهجمات ورفع وتيرتها، ويبعث برسائل خطيرة .

إن ضرب منشآت الإسناد، وعلى رأسها مخازن السلاح والمرافق الطبية، لا يمكن قراءته باعتباره استهدافًا عشوائيًا أو سعيًا لإحداث خسائر مادية فحسب، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف القدرة القتالية والمعنوية للقوات، وشلّ قدرتها على الصمود طويل الأمد. فحين تُستهدف أدوات القتال ووسائل الإسعاف معًا، يصبح الاستنزاف مركبًا: عسكريًا ونفسيًا وإنسانيًا.

و ينذر هذا التطور
بإمكانية اتساع دائرة الاستهداف داخل المدن نفسها، ما يضاعف من مخاطر تهديد المدنيين والبنية التحتية الحيوية. ومع استمرار الحصار، تتحول المدن إلى مساحات هشّة، تختلط فيها الجبهات، ويصبح المواطن هو الحلقة الأضعف في معادلة الحرب. وهو واقع يعيد إلى الأذهان مشاهد الفاشر وبابنوسة، حين سبق السقوطَ تآكلٌ بطيء في منظومات الحماية، وتراجع في القدرة على المناورة.

إن السؤال الجوهري اليوم ليس فقط: هل تستطيع الدلنج وكادقلي الصمود؟ بل: هل تم استخلاص الدروس من الفاشر وبابنوسة وهجليج؟ وهل جرى التعامل الجاد مع الثغرات الاستخباراتية التي سمحت بحدوث هذه الضربات؟ فغياب المعلومة الدقيقة، أو التأخر في تحليلها، قد يكون أخطر من نقص العتاد نفسه.

الدلنج وكادقلي ليستا مجرد مدينتين على خريطة الصراع، بل تمثلان عمقًا اجتماعيًا وتاريخيًا واستراتيجيًا لكردفان وجبال النوبة، وأي انهيار فيهما ستكون كلفته مضاعفة، لا على المستوى العسكري فقط، بل على النسيج المجتمعي والاستقرار الإقليمي برمته.

إن منع تكرار سيناريو الفاشر لا يتحقق بالشعارات ولا بالتطمينات، بل بتعزيز إجراءات الحماية، ومراجعة الخطط الدفاعية، وسدّ الثغرات الاستخباراتية، ووضع المدنيين في قلب أي معادلة أمنية. فالتاريخ القريب علّمنا أن الحصار إذا طال، والضرب إذا تكرر، فإن الصمود وحده—مهما كان شجاعًا—قد لا يكون كافيًا.

الدلنج وكادقلي لن تكونا فاشرًا أخرى…
لكن ذلك مرهون بقدرة الدولة والقوى الفاعلة على التحرك قبل فوات الأوان، لا بعده.

Mariod Ads

مريود برس دقة الخبر واعتدال الرأي موقع إخباري شامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى