غير مصنف

الجنينة السلطنة الوحيدة في افريقيا التي لم يدخلها المستعمر

صلاح الدين مصطفى

الخرطوم: مريود برس/ القدس العربي

الخرطوم-“القدس العربي”: تقع مدينة الجنينة في أقصى غرب السودان، وهي عاصمة سلطنة المساليت التي انضمت للسودان الإنكليزي عبر اتفاقية دولية عام 1919. والجنينة تنسب إلى أندوكا، وهو السلطان محمد بحر الدين، سلطان المساليت، والذي كان يلقب بأندوكا، وهي مسقط رأس الشاعر محمد مفتاح الفيتوري.
تقع المدينة على ارتفاع ثمنمئة متر عن سطح البحر، وتبعد مسافة 350 كيلومتراً من الناحية الغربيّة عن مدينة الفاشر، و1200 كيلومتر عن العاصمة الخرطوم، و27 كيلومتراً عن حدود تشاد مع السودان. كما أنّها تمر بطريق سريع من الجزء الجنوبي الشرقي منها المؤدّي إلى نيالا. وتنحصر إحداثياتها على خط الاستواء بين خط عرض 13.45 درجة باتجاه الشمال، و22.43 درجة باتجاه الشرق على خط الطول غرينتش، ويزيد تعداد سكّانها عن 170 ألف نسمة.
مناخ معتدل
تتأثّر المدينة بمناخ السهوب المحليّة طيلة أيام العام، حيث تصل معدل درجات الحرارة السنوية فيها إلى 25.6 مئوية. وعلى الرغم من ندرة سقوط المياه فيها إلّا أنّ معدل تساقطه سنوياً يصل إلى 465 مليمتراً إذ يعدّ شهر كانون الثاني/يناير الأكثر جفافاً بمعدّل صفر من حيث تساقط الأمطار، في حين يُعتبر آب/أغسطس أكثر الشهور تساقطاً بمعدل 179 مليمتراً، في حين يُعدّ شهر أيار/مايو أكثر الشهور دفئاً؛ حيث يصل فيه معدل درجات الحرارة إلى 29.3 مئوية، في حين يُعتبر شهر كانون الأوّل/ديسمبر أكثر الشهور برودةً بمعدّل حراري قدره 21.7 درجة مئوية.
سلطنة المساليت
تعتبر المساليت من السلطنات القديمة التي تقع في المساحة الشاسعة بين السودان ودولة تشاد، وكانت عاصمة السلطنة تسمى دار جيل، وتم تحويلها إلى مدينة الجنينة وهي السلطنة الوحيدة التي لم يتم استعمارها في افريقيا وكانت لها انتصارات كبيرة على الفرنسيين في غرب السودان.
مركز إداري وروحي
ويقول الباحث والناقد المسرحي فضل الله أحمد عبد الله، وهو معتمد سابق للجنينة، إن المنطقة تمثل المركز الإداري والروحي لقبائل سلطنة دار المساليت. ويضيف لـ “القدس العربي”: الجنينة تنسب إلى أندوكا، وهو السلطان محمد بحر الدين، سلطان المساليت والذي كان يلقب بأندوكا، وهو مؤسس مدينة الجنينة وذلك بعد قيامه بنقل عاصمة سلطنة المساليت من درجيل وهي منطقة تقع شرق وادي كجا، إلى الجنينة على الضفة الغربية مباشرة لوادي كجا. والجنينة هي أصلا كانت المنتجع الخاص أو جنينته “حديقته” الخاصة التي ينتجع فيها أوقات الراحة”.
الانتقال إلى المنتجع
ويقول فضل الله، إن بحر الدين نقل العاصمة من درجيل وهي العاصمة الأولى للمساليت بعد حدوث الجفاف في سنوات من 1902 إلى 1915 وصعوبة الحصول على الماء فأمر بحر الدين أندوكا الأهالي الانتقال إلى جنينة السلطان. وهكذا كانت تعرف وهي تقع في الضفة الغربية لوادي كجا، على بعد مسافة قدرها 25 كيلو مترا وكان الانتقال عام 1913 عاصمة إدارية وروحية لسلطنة المساليت. ومن سلاطينها المشهورين هجام وأبكر وإسماعيل والسلطان تاج الدين والسلطان بحر الدين والسلطان عبد الرحمن والسلطان الحالي هو سعد عبد الرحمن بحر الدين.
بوابة السودان الغربية
تقع ولاية غرب دارفور في أقصى غرب جمهورية السودان، حيث تعتبر بوابة السودان الغربية ومعبره إلى دول غرب افريقيا فهي تتمتع بحدود دولية تمتد إلى 750 كلم مع دولة تشاد وافريقيا الوسطى في ظل ارتباط تجاري وثيق مع دول غرب افريقيا الأخرى كالكاميرون ونيجيريا وينشط التبادل التجاري وتجارة الحدود بين السودان وهذه الدول عبر والولاية. كما تعتبر عاصمتها مدينة الجنينة مدينة تجارية وسياحية.
السلطان بحر الدين
ويقول فضل الله إن المدينة تأسست في عهد محمد بحر الدين الشهير بأندوكا وهو تولى السلطنة بعد استشهاد عمه السلطان تاج الدين إسماعيل في معركة دروتي مواجها الغزو الفرنسي للسلطنة في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر 1910 والمعروف أن بحر الدين تولى ولاية العهد قبل استشهاد تاج الدين منذ بداية المواجهات مع الفرنسيين، ومنذ تأسيس الجنينة في ذاك العهد بذلت السلطنة جهدا عظيما في تطويرها إداريا واجتماعيا.
معارك ضد الفرنسيين
وللمنطقة تاريخ حربي معروف وتوجد تفاصيله في سجلات الفرنسيين حيث خاض المساليت معركتين ضد الجيش الفرنسي الذي كان يسيطر على غرب افريقيا هما معركة “كرنديق” و”دورتي”. ورغم أن الحرب لم تكن متكافئة إلا أن المساليت أظهروا شجاعة فائقة أدت لتراجع الجيش الفرنسي واستشهد في هذه المعارك السلطان تاج الدين.
عادات مشتركة
تتكون التركيبة الاجتماعية للولاية من مجموعة كبيرة من القبائل تربط بينهم عادات وتقاليد وموروثات مشتركة تراعي مصالح جميع القبائل في نسيج اجتماعي مترابط. ويقول الدكتور محمد خليل، عميد كلية الإعلام في جامعة “الجنينة” إن المكون الاجتماعي للمدينة لا يختلف عن الولاية، باعتبار أن الجنية هي العاصمة. ويشير في حديثه لـ”القدس العربي” لعدة مكونات تمتد حسب جغرافية المنطقة، منها قبيلة القمر، بكسر القاف والميم والتي تمتد حتى حدود تشاد، وتضم المنطقة قبائل أخرى مثل الزغاوة والتامة ومسيرية الجبل والإرنقا والكوندي وتوجد مع كل هذه المكونات القبلية، قبائل عربية (رحّالة) لا تستقر في مكان واحد بسبب البحث الدائم عن المرعى.
المساليت في الجنينة
أما في مدينة الجنينة، فحسب محمد خليل، توجد قبيلة المساليت صاحبة الأرض والإدارة وجميع المكونات القبلية المنتشرة في كل أجزاء الولاية، إضافة للقبائل الوافدة من وسط وشمال السودان مثل قبيلة الجعليين الذين وفدوا قبل الثورة المهدية وتدير كل هذه المجموعات شؤونها وفقا لنظام الإدارة الأهلية تحت إمرة قبيلة المساليت.
هجرات داخلية
ويقول الباحث فضل الله أحمد عبد الله، إن المهاجرين لعبوا دورا كبيرا في نهضة المدينة، ويشير إلى العديد من الأسر العريقة التي استقرت في المدينة مثل عائلة الخبير الإعلامي علي شمو وهو في الأصل من المسلمية بالجزيرة انتقلت أسرته إلى مدينة الجنينة وكان البروفيسور علي شمو عمره ست سنوات، وكذلك أسرة السفير حسن عابدين. ويشبه فضل الله الجنينة بمدينة أم درمان من حيث طريقة تكوينها وتركيبتها السكانية.
مدينة الشاعر الفيتوري
كما كان للمهاجرين من ليبيا قدحا معلى في تأسيس المدينة ومنهم مفتاح الفيتوري والد الشاعر الكبير محمد الفيتوري الذي جاء تاجرا واستقر في دار مساليت وتزوج من المنطقة، ويذكر التاريخ أن الشاعر محمد مفتاح رجب الفيتورى، ولد في 24 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1936 في مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور الحالية في السودان، ووالده هو الشيخ مفتاح رجب الفيتوري وهو ليبي، وكان خليفة صوفيا في الطريقة الشاذلية، والعروسية، والأسمرية.
تخليد نضال السلطان تاج الدين
وخلد الشاعر الفيتوري بطولة أجداده ونصرهم على الفرنسيين في قصيدة مقتل السلطان ويقول فيها:
“فوق الأفق الغربي سحاب أحمر لم يمطر
والشمس هناك مسجونة
تترى شوقا منذ سنين
والريح تدور كطاحونة
حول خيامك يا تاج الدين
يا فارس
هذا زمن الشدة يا أخواني
هذا زمن الأحزان
سيموت كثير منا
وستشهد هذي الوديان”.
النسيج الاجتماعي
 
 وفتحت السلطنة أبواب الوافدين إليها خاصة التجار القادمين من تجاه الوسط السوداني ومناطق نهر النيل، فشكلوا نسيجا اجتماعيا فريدا، إضافة للوافدين من غرب افريقيا. والجنينة وبحكم موقعها في أقصى غرب السودان ظلت بوتقة لتصهر القادمين من غرب افريقيا خاصة البرنو والبرقو والفلاته والهوسا.
توحيد الوجدان
ويرى الدكتور محمد خليل أن التراث الشعبي الموجود في المنطقة يجمع كل هذه المكونات ويعمل على توحيد وجدانها، مشيرا إلى القواسم المشتركة بين كل القبائل والمتمثلة في رقصات (الدوبيت، الفرنقيبة ، الهجوري، المردوم وغيرها) حيث تجمع آلة النقارة كل تلك الرقصات مع وجود اختلافات بسيطة في الأزياء واللهجات، إضافة لذلك تجتمع المكونات القبلية في مظاهر ثقافية أخرى مثل جلسات شاي البرامكة ذات الطقوس المميزة والأغاني الشعبية الجماعية التي تؤدى في المناسبات الدينية والوطنية وحفلات الزواج وغيرها.
المتعة والسرور
وللمنطقة أسماء عديدة منها “أردمتا” بتشديد الراء وبفتح الدال. ويقول أيوب آدم يحيى: “إنها على وزن أرض، والميم والتاء والألف على وزن متَعَ، مشتق من أرض المتعة، هكذا كما يحلوا لنا تسميتها، أي أرض السعادة والسرور”.
ويصف المنطقة بأنها تمثّل المدينة التاريخية التي تأسست عليها باقي المدن في أقصى الغرب، وعلى رأسها مدينة الجنينة. ويرجح ان الاسم “أردمتا” منقول من اسم قديم مجهول الأصل، فتعددت الروايات والأقوال حول مصدر وحقيقة الاسم وتاريخه الضارب في القدم يمتد إلى آلاف السنوات.
ويقول إن للمنطقة ثلاثة مداخل رئيسية إحداها من الناحية الجنوبية “شارع نيالا” والآخر من الناحية الشمالية “شارع كُلبس” الذي يمتد حتى الحدود الليبية ومن ثم البوابة الشرقية والتي تعرف بـ “شارع فاشر” الذي ينتهي إلى مدينة أم درمان في العاصمة السودانية كما يعد امتدادا لدرب الأربعين “طريق مصر/دارفور”.
زراعة ورعي
وتزخر ولاية غرب دارفور وحاضرتها الجنينة بالعديد من الامكانيات الاقتصادية وفرص الاستثمار المختلفة في المجالات الزراعية ومنتجات الثروة الحيوانية والمنتجات الغابية من صمغ عربي وأخشاب بالإضافة لوجود فرص استثمارية كبرى في مجال الصناعات ومجالات الإنتاج الحيواني وإنتاج الخضر والفواكه والتصنيع الغذائي وتربية الأسماك والدواجن وعسل النحل وتعليب الفاكهة.
ويقول الدكتور أنور شمبال المتخصص في الإعلام الاقتصادي إن أهالي المدينة يعتمدون في حياتهم على الثروتين الزراعية (الدخن، والذرة، والقمح، والسمسم، والبطيخ، والكركديه) والحيوانية (البقر، والماعز، والجمال). ويشير بوضوح إلى أن الزراعة تجمع أغلب مواطني المنطقة وحتى الذين يعملون في وظائف حكومية لديهم أرض يزرعونها.
وتتم زراعة كل أنواع الفواكه المعروفة في السودان خاصة المانجو والبرتقال والعنب والموز والجوافة، إضافة للبقوليات، وتتم الاستفادة من الغابات في الأخشاب أو المنتجات الغابية الغذائية وتمثل التجارة الحرفة الثانية بعد الزراعة.
تطوير العلاقات مع تشاد
تعتبر الجنينة من أقرب المناطق السودانية للحدود التشادية، ويوجد تواصل وحراك شديد وعلى هذا الأساس شهدت المدينة حاضرة ولاية غرب دارفور مؤتمر أمن وتنمية الولايات الحدودية السودانية – التشادية الأول في الفترة من 24-25 نيسان/أبريل 2018 وخرج المؤتمر بعدة توصيات منها العمل ببروتوكول تجارة الحدود بين البلدين وتشكيل لجنة مشتركة للتقييم والتمويل والتنفيذ والمتابعة، وفتح فروع مصرفية لتسهيل التجارة والتمويل والتحويلات البنكية في الولايات الحدودية، واستكمال الطرق البرية والإسراع في تنفيذ وافتتاح منطقتي الجنينة وأدري الحرتين، بما يتناسب وطبيعة المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدين،

Mariod Ads

مريود برس دقة الخبر واعتدال الرأي موقع إخباري شامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى