mubazain14@gmail.co
يظل أسلوب الحفر بالإبرة المبتدع وهو التكتيك القتالي الذي اتبعه السيد رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن ( عبدالفتاح البرهان) في معركة الكرامة لتخليص البلاد من مليشيا الدعم السريع والتي تمردت تحت إمرة قائدها قبل عام، هو تكتيك مبضع النطاس في غرفة الانعاش لإجراء جراحة بلابنج وهو تكتيك بالضرورة له ما يبرره في (الخرطوم)، مبتدأ الشرارة والتموضع المكين للمليشيا… كما استمر هذا الاسلوب القتالي في العمليات الحربية متمرحلا، من مربع خانة الدفاع وامتصاص الصدمة وكسر ظهر القوي الصلبة… ومن ثم لتماسك الجبهة العسكرية الداخلية والاحتفاظ بالعدة والعتاد البشري وهو تكتيك ضروري في مرحلة ما، حسب طبيعة وميدان المعركة والتي قطعا هي بين غابات الأسمنت والتموضع المتقدم والتغلغل المجتمعي (للمليشيا) وارتكازها رباطا في سدة ثغور كل العاصمة منذ أيام الثورة بحجة حماية الثورة والثوار، وهي كذلك كانت في مفاصل ومؤسسات الدولة السيادية العليا الحساسة والمرافق العامة، وفوق كل ذلك القناصة المنتشرون علي رؤوس البنايات والبني الشاهقة وهو ما عرف عند المدارس الحرببة ولدي خريجي الكليات الحربية القتالية، أن ثمة قناصة (واحد) بمقدوره أن يعيق أو يثبط تقدم كتيبة كاملة… كل هذه وغيرها من المعطيات والبراهين الجلية والخفية نحسبها منطقية لقائد ذو دربة موهوبة وخبرة مكسوبة، وطبيعي ألا يلتحم جيش كرري بالمهندسين وألا يكسر حصار السلاح الطبي من قبل الجيش السوداني إلا بعد (عشر شهور) من بدء معركة الكرامة، كل هذا مفهوم ومقدر. ولكن هل ذات اسلوب الحفر بالإبرة (التكتيكي) يصلح علي أرض ومواطن (البساطة) علي سهول الأرض المنبسطة الجزيرة الخضراء؟، أرض المحنة المعطاة والتي ينساب خيرها لعموم اهل السودان سلسبيلا كريَها الإنسيابي لوزا واخضرارا تحنانا ضرعا قمحا وتمني. وهي التي علي حين غرة وطأها الأوباش بالآلة العسكرية الثقيلة والمجنزرات نصلا وسنانا كالأكلة علي قصعتها ومواطنها لبساطته وطيبة سجيته وخاطره الأخضر لا يعتمر حتي سكين (الضراع) آمنا في سربه وهو الذي كان لايخشي علي نفسه وأهل بيته من كلاب ضالة في كناره وترعته وحارته وحيه وقريته، ولاذئاب علي غنمه كالذي كان ما بين نجد وتهامة وماببن الشام واليمن. وعلي مرأى ومرمي حجر من خنادق جيشنا المخندق علي أطراف الجزيرة، (الجنجا) وذئاب أفريقيا المرتزقة يحصدون ذراري ونساء الجزيرة وحرائرها حصاد الخدير وابراسين نارهم حمرا جردوهن من زينتهن الأقراط ودر المخانق (أتتهن المصيبة غافلات فدمع الحزن في دمع الدلال) لم يتركوا ولا (ورتابة) لكبريائهن، نقدوا غزل حواكير قراهم وبيادرهم الأنيسة المترعة بالمودة والإلفة وضوء القمر نقد القنقر، (حتوا) خزائنهم المتواضعة (حت) قندول الفريك شلخة شلخة بضم الشين، يطاردونهم سرابة سرابة مترة ومسور علي يباب العتمور والضهرا نزوحا قسريا حتي المطري من أراضي سنار أو امتداد المناقل، ركن فلاح الجزيرة لهذا الكرب العطيم الملود الكندكة والنجامة والكديب، نهبوا منه المليشيا مونة العام، بل حرموهم حتي من الذي في سنبله حصادا ولا قليلا مما يحصنون إلا بدفع جزية، عقروا الابقار الحلوب والدرر، قطعوا أرجل البقر ويتركوها حية تتلوي، يحرقون كل سيارة لا يستطيعون نهبها، يقتلعون الرضيع وشفايفه تقطر لبنا من ثدي أمه والسكينة علي رقبته ولا يردونه إلا بفدية مالية عاجلة أو نبش الدهيبات المدفونة وخاتم الجنيه إن وجد.. هذا يسير من كثير لا يستطيع رقيقو القلب ولا يجتملون مطالعته إن سردناه.. فمدني في طبيعتها من حيث النزال غير الخرطوم، واسلوب القتال التقليدي للجيش المحترف وحساب التحوط والنفس الطويل الممل، لا يصلح مع عدو بلا ادني اخلاق وشعبنا رهائن تحت مداسه وفريسة بين فكيه، في الوقت الذي فيه يحسن هذا (العدو) المليشيا التنكيل وفنون القتل والإغتصاب والإذلال ببشاعة ووضاعة واحتقار، وفي الوقت ذاته هذا الاسلوب (التكتيكي) المتبع (النفس الطويل) هو الذي جعل مليشيا الدعم السريع تمارس كل أصناف الامتهان والتعذيب والسلب والترويع والتهجير القسري بتمهل تام وطمأنينة فجة فيما غير رهب وخوف وفي مأمن من العقاب، لدرجة أنها كثيرا ما تعاود الكرة مرة مرتين وتلاتة علي القرية الواحدة، لأنها وعت تماما أسلوب جيشنا الذي يمتطي حبل المهلة حتي في تلك الظروف والحالات الحرجة والتي هي في حاجة عاجلة لتدخل سريع أو ضربات خاطفة استباقية، وليس هنالك أكثر استرخاءا من أن يصل الحال بشرزمة البغاة الطغاة وأن تبلغ بهم الجرأة مبلغا أن يشكلوا حكومة محلية وإدارة أهلية لإدارة حاضرة ولاية الجزيرة (ودمدني)! فالأسلوب الذي تنتهجه قواتنا علي ثغور ومحاور الجزيرة هو الذي جعل المرتزقة يأمنون العقاب وينشرون حبل غسيلهم القذر علي رؤوس المؤسسات والقري والأشهاد. قد لا يحق لنا أن نسأل راهنا ونحن في أتون حرب تحرير، من فتح كبري حنتوب بدءا وسهل للمليشيا المتمردة الغازية إزالة الموانع وهي في طريقها لودمدني قاطعة مسافة (٦٨١)ك (٥١١) ميل جنوبا زحفا بريا، فدخلت مثلما دخلت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بغداد٣٠٠٢ ليلة سقوط العراق والسيوف في اغمادها وجيوش التحالف علي شوارع بغداد وكأنها في طابور سير!، وقد لا يحق لنا أن نطالع نتائج (تحقيق) الانسحاب وعن تراجع قواتنا المنسحبة لكبري بيكا وود النعيم ومداخل سنار!، مفسحا وممهدا لغزو مليشيا (الدعم السريع) ومرتزقتها يوم الأثنين ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣م مدينة بمثابة العاصمة الثانية للسودان قبل الحرب بل غدت الأولي بعد أن قصدها معظم سكان العاصمة الخرطوم! الأمر الذي اعطاها بعدا استراتيجيا فوق موقعها الجغرافي والذي هو كموضع القلب من الجسد في البلاد، دخلوها في رابعة النهار وهي في يد جيشنا حرة كانت منيعة وأبية برجالها وشيبها وشبابها لنفتش عن تحرير لها اليوم! بهذه الفاتورة الغالية والكلفة التي مهرها إهراق الدماء وإراقة الكرامة.. وحين كانت الأيام حالمة ومجالس الأنس تنتشي بدوري الحساب الفردي وموارد القطن النقدي خلافا للمحاصيل النقدية الأخري في العروة الصيفية ومحاصيل وخضروات العروة الشتوية، كان مشروع الجزيزة مترعا بالخير والأماني كانسانه الغض الندي للخزانة العامة للدولة منجم ذهب غير تقليدي متربعا علي صدر ميزانية وموازنة الدولة في جدول الإيرادات العامة بلامنافس، وكان (محمد مسكين) يغني رائعة (فضل الله محمد) رحمهما الله..، (من قلب الجزيرة من أرض المحنة برسل للمسافر أشواقي الكتيرة) وانسان الجزيرة لم (يسيب) مدني فحسب عندما يقول المغني: (قل لي يا مسافر شن إعمل وراك هل أسرح وأمل في سرعة لقاك… وخاصة عندما يقول: ولا اسيبا مدني وأجي اسكن حداك) ليس تمنيا وإنما حقا وحقيقة ساب كل الجزيرة وسكن جوار الصليب والهلال الأحمر…
مبارك الطيب الزين
الأربعاء ٢٤ رمضان الموافق الثالث من أبريل ٢٠٢٤م
[١٤/٤ ١٩:٤٤] Barska: وماتعانيه جزيرة اليوم علي ما أظن ليس ثمة سانحة مناسبة ومواتية أكبر مما نحن وسكان الجزيرة اليوم.. ليري هذا المقال النور… مع شكري
مبارك الطيب