مبارك الطيب الزين
mubazain14@gmail.com
تعليق العمل بالوثيقة الدستورية
لطالما الأسانيد والمسوغات الشرعية التي ارتكزت عليها الوثيقة الدستورية بالسودان ٢٠١٩ هي الشرعية الثورية أو ما يسمي (بثورة ديسمبر ٢٠١٨ ) المتصوص عليها في الديباجة الرئيسية للوثيقة التي كانت تحكم الفترة الانتقالية حتي تعليق العمل ببعض بنودها لقرارات ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣ والتي اعلنها السيد رئيس مجلس السيادة في دورة المجلس الأولي آنذاك ..، ولطالما الحكم الفقهية الموروثة عند فقهاء الدستور والقانون أن الدستور يقبع فوق الهرم القانوتي، (الدستور أبوالقوانين) فإذا كان الدستور أو الوثيقة الدستورية معيبة فنيا يصبح كل ما صدر بموجبها معيبا وباطلا ليس لافتقار هذه الوثيقة لشرعية التوافق الوطني بل لأنها تسببت في إشعال حربا أزهقت الناخبين والمنتخبين المفترضين بكشوفاتهم والمشرعين وقضت علي الضرع والزرع والأخضر واليابس بل حتي علي الثورة والثوار !! وافرغت ذات (الشارع) الذي هو شرعة الوثيقة الدستورية من فعاليته وقيمته المعنوية ورجع صداه الصداح عندما يندفع كالسيل الجارف يهتف (حرية سلام وعدالة) وحشود المواكب شلالات تهز كبرياء المقاصل وعصب السجون، حربا لم تفن الشارع وروحه الثورية ولجان المقاومة اسم (الدلع) لاعضاء الجبهة الديمقراطية وكل قبائل اليسار التنظيمية فحسب، بل افرغت حتي الأسر والسكان والبلد برمتها واستحالت السكنات لمواكب فزع وهلع ونزوح، في الوقت الذي كانت القوي السياسية علي سدة الفترة الانتقالية وليدة الشرعية الثورية، كل رصيدها السياسي والنصالي علي حافة الورقة الرئيسية ألا وهي الرهان علي (الشارع) العصا التي ظلت تراهن عليها قوي الحرية والتغيير في نزالها السياسي ومعاركها مع المكون العسكري، ولكن هل شارع ما قبل الحرب شارع الاحلام الكبيرة والآمال الوردية العريضة هو ذاته شارع مابعد الحرب؟ فهذا الشارع الآن بمغامرتك السياسية الغير محسوبة والتي تنم عن فقر التجربة وفقه التجريب فقدته تماما وسوف يصبح غريمك يوم جرد الحساب السياسي حيث تجتمع الخصوم، تسببت في إراقة الدم والدموع والقتل، والقتل أهون، فعلي هدي محطات التجارب السياسية ظل الشعب السوداني المسكين الصابر المحتسب تخدعه النخب بالشعارات البراقة والبرامج الكذوب، وهو علي الدوام شامخا صنديدا كأوتاد وملح الأرض أسرجته لينقلك لأعلي مراكز السلطة والسلطان ودوائر صنع القرار لتحكم ولتكون لهم الخلاص وسفينة النجاة كما تدعي، فاوردت كل الدولة بشعبها مورد الهلاك الشامل والضياع المر وزججت بهم في أتون محرقة التتار الجديد وتركتهم لمصيرهم مع الذئاب البشرية والجوارح الهمجية العبثية الكاسرة، وهل هنالك اقسي من الاحساس بعدم الأمن لأي مواطن سوداني علي نفسه وحرائره وأهله وماله وهو في داره؟ او في مأوي عام ملجأ ومدرسة، مشهد ( البقج) فوق الرؤوس سيرا علي الأقدام نساء وأطفال مرضي عجزة وكبار سن، ميممين الفيافي والبيادر ودول الجوار في رحلة البحث وهم الطرائد لاصطياد مأوي او أرض محررة خالية من (الجناح العسكري) مليشيا الدعم السريع!!.
فلإنتفاء الغرض أو الهدف الاساسي السامي الذي صيغت من أجله (الوثيقة الدستورية) وهي معنية بحكم الفترة الانتقالية والفترة الانتقالية قذفت بنا وبربانها إلي (جحيم الحرب) تصبح بالتالي فاقدة للمشروعية والسند القانوني وكل المزتكزات والأسانيد الشرعية التي ارتكزت عليها، وبالتالي تعليق العمل بها من اوجب الواجبات الرئاسية والسيادية لأنها معيقة لأداء (حكومة الحرب) ومقيدة للمراسيم الجمهورية ولتشكيل أي جهار تنفيذي، وليستعاص عنها (بمراسبم جمهورية مؤقتة) إلي حين انجلاء المعركة والانتقال لمرحلة ما بعد الحرب بعد قفل الملف العسكري والانتقال لمرحلة سياسية جديدة تبدا بالائتلاف السياسي المفتوح والمؤتمر الدستوري الجامع للخروج بمشروع دستوري تجد كل القوي الجماهيرية القاعدية علي امتداد البسيطة اشواقها ممثلة في دستور دائم وسودان واعد أغر، والدستور ليس انعكاسا لتطلعات الأغلبية بقدر ما هو ظلال لكل قوي البلاد السياسية والتنطيمية.
وتظل الوثيقة الدستورية والمعدلة بشكلها الحالي معيبة فنيا ومقيدة لأنها قضيت بليل لتلبي تطلعات مجموعة انتهازية ضيقة إقصائية حيث نصت في فصلها الخامس تكوين مجلس الوزراء الانتقالي (1) يتكون مجلس الوزراء من رئيس وعدد من الوزراء لايتجاوز العشرين من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يعينهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم مجلس السيادة، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذان يرشحهما المكون العسكري بمجلس السيادة.
(2) تختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيس مجلس الوزراء ويعينه مجلس السيادة.
وفي الفصل السابع: (تكوين المجلس التشريعي الانتقالي) (٣) يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة ٧٦% ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ونسبة٣٣٪ للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي تتم تسميتها وتحديد نسب مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى إعلان الحرية والتغيير والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة.
وكما هو معلوم تشكيل مجلس السيادة قبل التعديل الذي أدخل علي الوثيقة الدستورية ففي الفصل الثالث أجهزة الحكم الانتقالي (2) يشكل مجلس السيادة من أحد عشر عضواً، خمسة مدنيين تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير وخمسة يختارهم المجلس العسكري الانتقالي، ويكون العضو الحادي عشر مدنياً، يتم اختياره بالتوافق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير. فيما بعد صادق مجلسا السيادة والوزراء علي الوثيقة المعدلة ١٢ أكتوبر ٢٠٢٠ وكانت أبرز التعديلات تشكيل مجلس جديد في البلاد تحت مسمى مجلس شركاء الفترة الانتقالية يختص بالفصل في الاختلافات التي قد تنشأ بين الأطراف السياسية المختلفة وفي التعديلات تم أيضا تصفير عداد جدول مواقيت الفترة الانتقالية والتي هي ٣٩ شهرا علي أن تبدأ من تاريخ التوقيع علي اتفاق سلام جوبا ٣ أكتوبر ٢٠٢٠ (بعد أكثر من عام علي بدء العمل بالوثيقة) واعتماد الفيدرالية والأقاليم بدلا من اللامركزية وعقب انتهاء اجل الفترة الانتقالية ٣٩ شهرا المنصوص عليها وإنتهائها بهذا الخراب الشامل كما نري تكون الوثيقة الدستورية الانتقالية السودانية فقدت شرعيتها عمليا ولو مغالطنا وما مصدقنا إلجأ للاستفتاء الشعبي الجماهيري الإلكتروني..
الأحد ١٢ رمضان الموافق ١٣ مارس ٢٠٢٤م