من بحر ابيض الى كردفان الغرة.. رحلةفى عيون عازة والخليل
أكتبُ هذه كبحر من الصفاء الخالد لا يتغير ولا يتبدل وما بين كردفان وبحر أبيض روحٌ وريحان.. ونسجٌ ووشائج تتمدد ونهرٌ من الصفاء الدافق يغمر تلك السهول والبطاح و القيزان والدناكيج من القطينة ونعيمة وود الزاكى والكوة، والكنوز، والشوال، جنوباً..
الي تندلتى، غرباً لتُطلَّ علينا قرية نسيم الصفا، بسحرها وجمالها وام كويكا، بروعتها وخطُّ السكة الحديد يشقُّ رباها الخضراء الخلابة.. النقيعة، العلقة، ام هجيليجة، حسن المبارك، سليمة، المصوَّرة، ودعشانا، الدفينة بواديها الجاري والخضرة تحفه من كل جانب.. الحريزية، نفحات، ابوالقاسم، الجعفرية، الغبشة، ابوعوَّة القاضي، بلحات، مختار، الخميساب، ام خيرين جادالله، ام خيرين ودالزاكي، ام خيرين ادم، وعبد القوي، الجوغان.
وتلوح علينا من بعيد ام *روابة* المدينة الجميلة يهلُّ هلالها.
وام روابة من المدن السودانية بازخة الجمال تتوهط على تلٌّ رملي فسيح تكسوها الخضرة وقبل ان ندخلها يشير سائق العربة التى تقلنا نحو (اريل) ام روابة والذى هو عبارة عن برج اتصالات حديدي يوصف بأنه اطول ابراج السودان وامتنها علي الاطلاق ظل صامدا وشامخا لسنين طوال حتي اصبح علمٌ من معالم تلك المدينة الساحرة.
ونغادر ام روابة والشمس تتوسط كبد السماء تحجبها عنا واشعتها سحبٌ داكنة تنفحنا بنسيمٍ عليل لتستقبلنا قرية(الدروته) وهي من قري كردفان الجميلة التى شاهدتها علي الطريق الرابط بين كوستي والأبيض عروس الرمال.
ومنها الي قرية ام زوغى، وحمرة القوز، وام دباكر، والاضيات الشرقية، والأضيات الغربية، لنحطَّ رحالنا فى *الله كريم* والله كريم ليست قهوةٌ فى قرية وانما لوحةٌ من الجمال تجلي البديع فى رسمها وكلُّ من عبر تلك الفيافي البعيدة يعرف من هي الله كريم وندخل الي (السميح) القرية المدينة وجبل الدائر يزينها بأوديته الدافقة لتزداد جمالاً على جمالها.. وأهل السميح طيبون كرماء غاية الكرم وغير بعيد من السميح خلاوي ومسيد الشيخ “عبد الله يوسف القرشي” تقاقيب القرآن في ناحية.. اهل الذكر والفكر والتقي والصلاح.. وحين تنظر الي قطاطي المسيد وهي تتوسط تلك القيزان بخضرتها الداكنة ورمال الذهبية الناعمة يخال اليك وكأنها فُرشاً من السندس بسطت ونقشت عليها تلك الشعاب والأعواد اليابسة المتقوسة المكسوة بقصب الدخن اليابس.
وخلف ذاك السهل قرية (الدقاق) وحين تمعنها نظراً كأنها قد توارت منك خجلاً وثقرها الباسم كقمرٍ بين خليلات نفافيجها وصرفانها المترامية.
قرية التبلدية، والوندي، والأزيرقاب، قرى تناثرت كحبيبات العقد النضيد تزيد من جمال هذا الوطن الفسيح الذي نجهل مضاربه وقراهُ البعيدة وفيافيه.
والشمس مائلة نحو المغيب نصلُ مدينة *الرهد ابو دكنة المسكين ماسكنه* واحده من اجمل واروع مدن السودان زائعة الصيت ولأول مرة تصحح لي هذه التسمية من الحاجة (حواء) صاحبة القهوة التي نزلنا عندها.. وبينما كنت ارتشف كوباً من القهوة (المدنكلة).. سألتها يا حاجة “لي سميتو (الرهد).. بالرهد ابودكنة المسكين ما سكنه..؟” فردت علي: الصحيح هو ياولدى (الرهد ابو دكنة للمسكين مسكنه).. اي انها سكن للمسكين واي زول زمان مسكين كان بجي بسكن الرهد لما فيها من الخيرات والجود والكرم وقد تعجَّبتُ من حصافتها ودقة معلوماتها.