حسين خوجلي يكتب : عندما كانت أمدرمان تنجب الظرفاء والابتسامة
مضت أربع سنوات عجاف من النكوص والتراجعات فأصاب بلادنا تقزم وتشرذم وكان ثالثة الأثافي التجهم فقد عجزنا تماماً عن انجاب شعر جديد أو غناء أو نشيد.
ضرب التجهم كل المفاصل، فقد عقمت أرواحنا من إنجاب طرفة عابرة ترسم نصف ابتسامة على هذه الشفاه السمر اليابسات. وعقمت البوادي والحضر من منحنا أهل المؤانسة والظرفاء.
رحم الله أستاذنا البروفيسور علي المك الذي كنت اتجاذب معه أطراف الحديث في دار النشر بجامعة الخرطوم حول ظرفاء أمدرمان أحمد داوود والهادي وكمال سينا ومحمد حاجي حسين. وقد انفجر ضاحكاً بطريقته المميزة الطفولية في إعلان الفرح حين حكيت له إحدى طرائف الأخير.
قال الشاهد إن الرجل نقل إلى أراضي الفاشر فغادر أمدرمان باكياً، ولكن من كان يجرؤ آنذاك على مخالفة سلطان الميري وامتيازها؟ وبعد قضائه أشهر معدودات كتب له والده شاكياً ومطالبا بعودته فوراً للبقعة بمرافعة لا ترد أسبابها (إني مريض وأمك كذلك وقد غادر شقيقك الأكبر إلى اليمن للعمل مستعاراً، والآخر غادر إلى فلسطين مجاهداً، فعد حالاً لأمدرمان حتى لو اضطررت لتقديم استقالتك).
وكانت دهشة الوالد كبيرة حين وصلته البرقية الشهيرة من الفاشر التي تداولتها مجالس العاصمة : من محمد حاجي حسين بالفاشر إلى والده الصابر المحتسب بأمدرمان: (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ).