من ربوع دارفور..(1)
ل (بروش) الخضراء تحية وإجلال.
والذي نفهمُهُ قديما أن لنا وطنٌ فسيحُ الجغرافيا متباعد الأمكنة والبقاع.. كان مليوناً من الأميالِ’ والأفدنة والأشجار والنخيل، والأبنوس فأنشطر نصفين نصفٌ هنا والآخر هناك.. وأن أجدادُنا القدماء كانت وصاياهم (أبقو عشرة على الوطن) وان الوطن ليس له (تمن). ثم شاخت تلك الكلمات فينا وأنزوت وبهت لونُها فلم يعد فينا الوطنُ لنهاجر لوطنِ آخر كى نعيش ونستريح.. وطنُ من الشقاق والخلاف يجهل بعضُه بعضاً.. ولسى فينا يا (قمارى قوقى.)
لنا وطنُ متين المراس صلبُ العودة لكن بعضنا أوجلنا لا يعرفه وحين نقول (بروش) يلتفتُ الكثيرون منا يمنة ويسرى أين وفى أي بقاع الدنيا هي..
فالذاكرة عندنا محشوة بوطنٍ باهت اللون غير الذي نعرفُه ويعرفُه أجدادنا.! ولأنَّ الوطنَ عندنا السياسة والكياسة والرئاسة جهلنا منبع فكرنا وحبنا.. وحين نقول (أم كدادة) أو وادي هور أو كورنوي تأخذنا الدهشةُ والحيرة أكثر فالكثيرون لايفهمون أنها من قرى ومناطق السودان المعتقة بالجمال والخضرة وأنها مدن ُ تضجُّ بالحياة لكنها تاهت منا ومن ذاكرتنا حين حاصرة أفكارنا الحروب والتيه
نعم سقطت هويتنا والوطن فينا فصرنا أجناسا وبيادر.. وطنٌ قريبٌ منا لكنهُ غريب فينا.!!
سكة ثانية:
والحديث عن منطقة (بروش) هو إلتفاتة يسيرة من وجعِ قديم يلف الفؤاد ويكسوهُ ألم يتناوبني كلما تجولت فى ربوع بلادي المنسيةُ وضجَّ الحنين.
وبروش التي أحدثكم عنها ملامح وجهها أقربُ للمدينة من القرية فهى مكتملة البناء والمنبع والخضرة والتحضر.. ثم هى واحدة من مناطق محلية أم كدادة بولاية شمال دارفور زرتها قبل سنوات برفقة صديقي الفكاهي (محمد موسى) رد الله غربته.
تقعُ ناحية الشرقِ لأم كدادة المدينة التاريخية العظيمة تفصل بينهما بضعُ كيلومترات.. يمر بجوارها (ظلط) الفاشر.
أخذتنا الدهشة ونحن ندخلها من ناحية الجنوب بطريق رملي تتناثر في إمتدادته المتعرجة بعضُ الأشجار الظليلة تزيل عنها تجاعيد الزمن البئيس.! كانت عامرة زاهية المعالم تحيطها سلاسل جبلية شامخة العلو من ناحية الشرق وبعضٌ من الكثبان الرملية.
وتزداد دهشتي إذ لم يدر فى خلدي يوماَ أن (بروش) بكل ذاك الجمالُ الخلاب، والبهجة والخضرة المتفتقة من كل فنن.. حدائق غناء، فيها من كل لونٌ فاكهة وطعم ولو دخل المتنبئ عرصاتها لأنشد لأنشدها (ملاعب جنةِ لو سار فيها سليمان لسار بترجمان).
جلستُ على تلك الربي الخضراء وتذكرت أن لنا بالفعل وطنٌ جميل لكننا نجهله جميعاَ وطن لم نعرفه بعد.!
سألتُ أحدهم هل هذه شجرة رمانُ أم بعيني رمد.. فقال نعم هذا هو الرمان وتلك فاكهة البرتقال والمانجو والموز والعنب ثم أردفها بعبارة أخرى هنا نزرع كل الفاكهة ونحصدها.. أشجار من النخيل الذي كنت أظن أن زراعته فى الشمالية فقط (يفجُّ) الأرض يتسلقها يعانق السماء كمآذن شامخات في العلو.
ورغم مساحتها الجغرافية الصغيرة لكنها ك(جنةٌ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين).
ليس الثمار والأعناب وحدها بل يزرع أهل بروش كل أنواع الخضروات التى تكفي حاجتهم وما يفيض يكون من نصيب الأسواق ولأهلها تاريخ ضاربٌ من الثقافة والتراث الدارفورى الأصيل وعادات فريدة في عيشهم وحياتهم ولأبنائهم الذين سمعت عنهم من العمد والمشائخ وجود كثيفٌ في المنابر العامة من قديم الزمان.
نواصل
سطر أخير.. ياوطنى العزيز يا أول وآخر..