من كل مكان

المقصود عمدة (المفازة)وليس الرئيس نميري

العمدة حسن عبدالله طه فارس الحوبات

شدولو وركب فوق مهرك الجماح
قصة أغنية بسبب (لاندروفر) متعطل…

تلكم القصيدة التي ظن كثير من الناس انه تغني بها سيد خليفة للرئيس الراحل جعفر نميري…

في الجود والكرم
إيديك دوام بارزات
يا اب قلباً حديد
في الحوبة مابتنفاتشدولو و ركب

هذه الأغنية التي كان يشدو بها الراحل المقيم سيد خليفة تعتبر من أقوى أغاني الحماسة إلى يومنا هذا..
ولا يزال فنانو شباب اليوم يرددونها بكثرة، لما فيها من معاني الفروسية والشهامة والكرم مثل:

أبواتك قبيل بيسدوا للعوجات
مطمورتك تكيل للخالة والعمات
في الجود والكرم إيديك دوام بارزات

وسبب ميلاد القصيدة، ان شاعرنا الكبير عمر ود الحسين، كان في رحلة جنوب منطقة القضارف في نواحي المفازة، وكان معه الفنان الكبير سيد خليفة…
وصادف رفيقا الطريق في ذلك اليوم امطاراً غزيرة، ادت لتعطل عربتهم (اللاندروفر) بسبب (الوحل) وكثافة الطين..
فسأل الرفيقان أحد رعاة الماشية في تلك المنطقة أن يذهب إلى المفازة لطلب النجدة واعانتهم .

لحظة إعصار المفازة

وبالفعل ذهب الراعي واخبر عمدة المنطقة بما حدث لرفيقي السفر، فوصل على عجل عمدة المنطقة وفي معيته عدد من شباب المفازة الذين حاولوا إخراج العربة لكنها استعصت عليهم تماما …
فأمر العمدة حالاً بتجهيز (تراكتور) وبالفعل حضر (التراكتور) وقام بسحب (اللاندروفر) للمنطقة اليابسة…
ومن بعد ذلك العمدة حسن عبد الله طه كلف مهندس ليصين العربة في الحال، وأقسم على الضيفين أن يذهبا معه إلى المفازة حتى تجهيز سيارتهم..
وبالفعل وصلوا المنطقة وقام العمدة ومعه اهل المنطقة بإكرام الضيوف ايما كرم، حيث تناثرت الذبائح هنا وهناك ولكن الغريب في الامر ليس حفاوة اهل المنطقة ولا سرعة نجدتهم وفيض كرمهم الدفاق فتلك صفاتهم الفطرية…
ولكن الغريب أن الفنان سيد خليفة والشاعر ود الحسين لم يعرفا أن ذلك الشخص الذي كان يخوض معهم في الوحل محاولاً اخراج سيارتهم هو العمدة حسن عبد الله طه بنفسه.
وهو اشهر شخصية في تلك المناطق وعلم على رأسه نار…
وبالمقابل لم يكن العمدة يعرف أن ضيفيه هما الفنان الكبير سيد خليفة والشاعر المعروف ود الحسين.

*كرم سوداني بحت*
لم يتعرف الجميع على بعضهم الا عندما قاموا بتوديع بعضهم البعض..
وكم كانت دهشة العمدة حسن عبد الله طه كبيرة عندما عرف أن ضيفيه كانا الشاعر الكبير عمر الحسين والفنان الشهير سيد خليفة ولكن دهشة سيد خليفة والشاعر عمر الحسين كانت الأكبر عندما عرفوا أن من كان مشمرا لسواعده مكفكفا لجلبابه وسط الطين والوحل يحاول اخراج سيارتهم هو العمدة حسن عبد الله طه شخصياً…
العمدة الذي تخضع له كل مناطق المفازة وما جاورها وكان مشهورا بكرمه وحلمه وحكمته الراسخة لذلك وصفه ود الحسين عندما تعرف عليه في احد الابيات ود ناسا عزاز جمعوا المكارم كوم
تفخر بيك بنات البادية والخرطوم
وقد استرسل عمر ود الحسين بصورة بلاغية رائعة في وصف العمدة خصوصا عندما قال: تمساح الدميرة ..
الما بكتلو سلاح
إعصار المفازة ..
للعيون كتاح
المال ما بيهمو …
إن كتر وإن راح

فتجلى جمال النظم ودقة الوصف في تلك
قصيدة حبلى بالمعاني الرائعة التي تشير إلى الكرم السوداني المتأصل في نفوس السودانيين بصورة فطرية وطبيعية.

فقد يذبحون للشخص ويغدقون عليه الهدايا دون أن يعرفوا …
من هو؟
وما اسمه؟
وما وجهته؟
والي اي قوم ينتمي؟

لذلك جاءت القصيدة تحمل تقاسيم وصفات السوداني الاصيل…
وقد كُتبت القصيدة على طريقة المربعات كدأب اهل البطانة في قوة نظمهم وسلاسة تعبيرهم وقوة معانيهم …
فانظر لود الحسين عندما يقول للعمدة عينيك يا الصقر ..
في الحاره ما بتنوم صدرك للصعاب ..
دايماً بعرف العوم
في وسط الفريق ..
في الفارغة ما بتحوم
لا بتتلام ولا ..
بتعرف تجيب اللوم

وغير ذلك من قوة نظم ودقة وصف لا متناهي؛ وابداع الخيال الذي يبرع فيه شعراء البادية. فانظر اليه عندما يقول يا رعد الخريف ..
الفوق سماك دمدم
بابك ما انقفل ..
نارك تجيب اللم
ما بتعزم تقول ..
غير استريح حرَّم

مجازات لغوية واستعارات عميقة المعاني والدلائل.
رحم الله العمدة حسن عبد الله ود طه ورحم العملاقين الجليلين سيد خليفة وعمر الحسين لما قدموه للفن السوداني من أغان ومعان كتبت بأحرف من نور في سجلات الخلود

كلماتةالقصيدة

شدولك ركب

شدوا لك رِكب فوق مهرك الجماح

ضرغام الرجال
الفارس الجحجاح

تمساح الدميرة
الما بيصده سلاح

المال ما بيهمك
إن كتر وإن راح
***
بطناً جابتك
والله ما بتندم

ويا أسد الكداد
الفي خلاك رزم

ويا رعد الخريف
الفوق سماك دمدم
***

بابك ما انقفل
ونارك تجيب اللم

وما بتحلف تقول
غير استريح حرم
***
أبواتك قبيل
بيسدوا للعوجات

ومطمورتك تكيل
للخالة والعماتوفي الجود والكرم إيديك دوام بارزات

ويا أب قلباً حديد
في الحوبة ما بتنفات

صدرك للصعاب
دايماً بعرف العوم

وفي وسط الفريق
في الفارغة ما بتحوم

لا تتلام ولا بتعرف تجيب اللوم

تفخر بيك بنات
البادية والخرطوم

نقلا عن صحيفة (السوداني) الكاتب “سعيد عباس”

من أجمل وأروع المقالات الصحفية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى