اعمدة ومقالات

دكتور: دقاش حسب الله دقاش يكتب: بني مخزوم في أفريقيا

الموافق 2 ديسمبر 2023م.

تعتبر قبيلة بني مخزوم واحدة من أهم العشائر العربية القرشية التي لعبت دورًا هامًا في التاريخ الإسلامي. وهي تنتسب إلى مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
لقد كان لهذه العشيرة دور كبير في نشر الإسلام وثقافته في أفريقيا، من خلال الممالك و السلطنات الإسلامية التي أقامتها، ومنها سلطنة شوا الإسلامية التي قامت في القرن السادس الميلادي في منطقة القرن الأفريقي حيث الحبشة الحالية.
لقد لعبت عشيرة بني مخزوم دورًا محوريًا هامًا في الفتح الإسلامي، وإليها ينتمي العديد من الصحابة والقادة العسكريين في الإسلام، مثل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وكلاهما صحابي جليل وقائد عسكري فذ.
لقد كانت مخزوم من العشائر الثرية والهامة في مكة المكرمة في الجاهلية، ويعتبرون من أشراف قريش. كانوا يمتلكون ثروة كبيرة وينشطون في التجارة والقوافل.
ولما جاء الإسلام، كان من بني مخزوم السابقون في الإسلام، كالارقم بن أبي الارقم صاحب الدار المشهورة بأعلى الصفا التي كان يختبئ فيها المسلمون، وكذلك أم المؤمنين السيدة هند بنت أمية المعروفة بأم سلمة، وزوجها الأول عبد الله بن أسد المخزومي، وكذلك فيهم صناديد الكفر الذين عارضوا الرسالة أمثال أبو جهل عمرو بن هشام والوليد بن المغيرة والأسود بن عبد الأسود وغيرهم.
غير أن إسلام خالد بن الوليد يعتبر علامة فارقة في تاريخ الإسلام والفتوحات الإسلامية. لقد انتشر بنو مخزوم مع الفتوحات الإسلامية كغيرهم من بطون قريش، ولا يزالون يوجدون في العديد من البلدان العربية والإسلامية.
كانت هجرة بني مخزوم إلى شرق إفريقيا،بعد هجرة صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الأولى والثانية إلى الحبشة، حيث كان أول مسلم سمع عنه أنه مهاجر، واستقر في بلاد الحبشة، هو وُدّ بن هشام المخزومي، وكان ذلك في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – حيث خرج مهاجرًا من الحجاز مع قبيلته واستقر في منطقة القرن الأفريقي، وأسسوا سلطنة شوا الإسلامية، وهي إحدى الممالك الإسلامية التي قامت في أفريقيا جنوب الصحراء.
تأسست هذه السلطنة على يد أسرة عربية تنتمي إلى “بني مخزوم” في عام 283 هـ الموافق 896 م، وليس ثمة شك في أن هؤلاء كانوا عربًا هاجروا إلى هذه الجهات في ذلك الوقت المبكر، وليس بعيدًا أن يكونوا قد نزلوا أول الأمر في ضيافة إمارة محلية، ثم اختلطوا بالأمراء عن طريق المصاهرة حتى آل إليهم الملك آخر الأمر.
وأيا كان الأسلوب الذي انتقل به الحكم في “شوا” إلى هذه الأسرة العربية المخزومية، فقد أدى ذلك إلى قيام “سلطنة شوا الإسلامية”، التي استمرت أربعة قرون من الزمان في الفترة (283 – 684هـ = 896 – 1285م) تمتعت في معظمها بالأمن والاستقرار وازدهار العمران، وكثرة المدن والقرى والنواحي، حتى إن وثيقة “تشيروللى” ذكرت أكثر من خمسين اسمًا لمواقع كانت موجودة، ووقعت على أرضها أحداث مهمة.
ومن أمثلة هذه المدن أو النواحي مدينة “ولِلَّه” العاصمة، ومدن هكلة (هجلة) وجداية، ودجن، وأبتا، ومورة، وحدية (لعلها مملكة هدية الإسلامية) والزناتير، والمحررة، وعَدَل التي أصبحت عاصمة لمملكة إسلامية في القرن الخامس عشر الميلادي، مما يدل على أن هذه السلطنة اتسمت بسعة المكان وازدهار العمران وكثرة المدن والبلدان.
وهذا الازدهار العمراني الحضاري الذي تمتعت به سلطنة شوا الإسلامية كان نتيجة لما تملكه من أرض غاية في الخصوبة استغلها السكان لزراعة يكفي حاجتهم ويسد مطالبهم ويفيض، خاصة أنه قد استمر توافد الجماعات الإسلامية المهاجرة في أعداد كبيرة للسلطنة، واستطاعت أن تتجمع وتدعم كيان هذه السلطنة الإسلامية بزعامة هذه الأسرة العربية التي اتخذت من “ولِلَّه” عاصمة لها، والتي يصعب تحديد موضعها الآن نتيجة لكثرة التغيرات التي تعرضت لها المنطقة.
لقد كان لظهور سلطنة شوا الإسلامية أثر كبيرا في نشر الإسلام وثقافته في أفريقيا، خاصة في المناطق التي تقع إلى الشرق منها، حيث كان لها دور هام في نشر الإسلام في منطقة القرن الأفريقي فيما يعرف باقليم الصومال اليوم.
ولكن سيطرة “شوا” على جيرانها المسلمين لم تستمر طويلا أمام اضطراب أحوالها وكثرة الفتن الداخلية التي اضعفت سلطانه مما اغرى بها حكام “أوفات” الإسلامية الذين أغاروا عليها وأسقطوها وضموها إلى حكمهم.
وأسباب سقوط سلطنة شوا الإسلامية عديدة، منها: العوامل الاقتصادية، وتتمثل في ظروف طبيعية جغرافية حدثت في الثلاثين عامًا الأخيرة من عمر الدولة، وأدت إلى نقص مياه الأمطار بدرجة نتج عنها حدوث مجاعات، وطواعين فتكت بالناس فتكًا ذريعًا، وأضعفت الدولة وسكانها أمام أي هزات داخلية أو خارجية.
سوء الأحوال السياسية، ويتمثل في الصراع الداخلي بين أمراء الأسرة المخزومية على الحكم، وكثرة التمرد على عرش السلطنة، وكثرة الحروب الأهلية، وما كان ينتج عنها من إحراق المدن وتدميرها ونهبها وقتل كثير من سكانها.
لم تكن سلطنة شوا هي التجربة الوحيدة لبنى مخزوم في أفريقيا، فقد ذكر المؤرخون ان مجموعة أخرى أيضا من عشيرة بني مخزوم (خزام) هاجرت من مصر إلى بلاد النوبة، (السودان) في القرن الثاني عشر الميلادي، وتحديدا إلى منطقة غرب السودان – دارفور الحالية – وحتى دنقلا، عبر وادي النيل ودرب الأربعين ، وهم فخذين من بحر وعلاق أبناء شاكر بن فاضل، وهم ينتسبون إلى سليمان بن الصحابي الجليل خالد بن الوليد المخزومي.
والي هذه المجموعة ينتمي جميع عشائر بني مخزوم الذين دخلوا أفريقيا من بوابة مصر، وتعتبر هذه القبيلة من القبائل العربية الإسلامية التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ السودان والمنطقة.
أسس بنو مخزوم (خزام) سلطنة عربية إسلامية في منطقة رهد الجنيق بقيادة السلطان أحمد المختار الملقب بشرنقو الخزامي في منطقة شمال دارفور، بين خطي العرض º23.5 وº26 شرق، وخطي الطول º14.5 وº17 شمال.
تبعد السلطنة حوالي 802 كيلومتر او ما يعادل498 ميلا شمال غرب العاصمة السودانية الخرطوم، على ارتفاع 700 متر (2296) قدم فوق سطح البحر.
تقع هذه المنطقة في المثلث الحدودي بين السودان وليبيا وتشاد، وتتميز بطبيعتها الصحراوية الرعوية الممتازة، وتعتبر من المناطق الهامة في تاريخ السودان والمنطقة.
وقد قويت هذه السلطنة وازداد نفوذها بعد هجرات القبائل العربية الجنيدية إليها واستقرارها بها فيما يشبه الحلف والمؤازرة التي عززة السلطنة. أمتد نفوذ هذه السلطنة من شمال مدينة كتم، شمل مناطق غرير، وأبوغردة، و رهد الجنيق وسجن شرنقو ووادي شرنقو وهابول والسبعاني وفوراوية و الزرق، وادي مغرب،و أم بعر، ومزبد، والدور، ووادي هور، والوخايم، وحتى جبل عوينات وغيرها من المناطق.
تتميز منطقة السلطنة بتنوعها البيئي والجغرافي حيث تنتشر ثلاث مناطق متميزة: الشمال تنتشر في البراري والسهوب التي تتخللها التلال وبعض الأودية ذات الأشجار والأعشاب يسكن هذه المنطقة غالبا البدو وأشباه البدو ويقوم قوام حياتهم على الإبل والاغنام وتتميز بمناخ جاف وحار صيفا وبارد شتاء.
تتوسط المنطقة مجموعة من الهضاب والتلال الرملية تتخللها بعض الأودية والشعاب وتتوفر فيها الأسواق والتبادل التجاري.
الي الجنوب تنتشر السهول والمناطق الرعوية التي تتميز بوجود بعض الأشجار والنباتات العشبية ويسكن جنوب هذه المنطقة غالبا المزارعين والرعاة ويعتمدون على الزراعة والرعى وتربية الأبقار والخيول الأصيلة.
تحدها من جهة الشرق حاليا دار الميدوب، ومن جهة الجنوب الداجو والفور، والتنجر ومن جهة الغرب دار زغاوة، ومن الجنوب الغربي المساليت والشمال الغربي البديات.
تمتد هذه المناطق شمالا حتى الحدود الليبية، على مسافة حوالي 580 كم في الصحراء الكبرى.
تعتبر هذه المنطقة استراتيجية من ناحية الموقع الجغرافي الذي أكسبها أهمية اقتصادية، حيث تحدها ثلاثة دول، وتعتبر من المناطق الهامة في تاريخ السودان والمنطقة.
يعد تاريخ هذه السلطنة جزءا من تاريخ دارفور القديم الغني بالسلطنات والممالك المختلفة التي سادت المنطقة، كسلطنة الداجو وسلطنة التنجر وسلطنة الفور.
شهد القرن الخامس عشر الميلادي نهاية سلطنة خزام نتيجة خلافات دبت بين السلطان شرنقو الخزامي والجنيديين بسبب ناقة يمتلكها فني العريقي ابن اخت السلطان.ويرجح ان تكون هنالك اسباب أخرى متراكمة ادت الي نشوب الصراع ولكن هذه الناقة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، مما أدى إلى حرب عرفت تاريخيا بحرب الناقة.
هذه الحرب أدت إلى دمار السلطنة، التي مثلت جسدا اداريا موحدا حاكما لكل العرب.
وبعد ذلك، تفرق العرب إلى كيانات قبلية تحكمها مشيخات ونظارات، شكلت بداية للإدارة الأهلية التي نراها اليوم.
تسببت حرب الناقة في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وتركت أثرا عميقا على مجتمع السلطنة بمختلف مكوناته.
فلم يقم للعرب بعدها كيان موحد يجمع كلمتهم إلى يومنا هذا.
وبعد دمار سلطنة خزام، انتشر بنو مخزوم في مختلف أنحاء السودان، وخاصة دارفور، وكردفان، والجزيرة، حيث استقروا وكونوا مجتمعات جديدة.
كما اتسعت نطاقات تواجدهم لتشمل تشاد وليبيا والنيجر والجزائر والمغرب وتونس، حيث ترك هذا التوسع تأثيرا كبيرا على انتشار الإسلام واللغة العربية في أفريقيا
وبهذا، يمكننا القول إن تاريخ سلطنة خزام يعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ العرب في أفريقيا، ويعكس التأثير العميق للثقافة العربية الإسلامية في المنطقة.
كما يظهر هذا التاريخ أهمية دراسة التاريخ العربي الأفريقي، وتسليط الضوء على الأحداث والشخصيات التي لعبت دورا هاما في تشكيل الهوية الثقافية والدينية .

Mariod Ads

مريود برس دقة الخبر واعتدال الرأي موقع إخباري شامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى